مكتبة آل الكرباسي

Back to top > سلسلة الشرايع

شريعة الرياضة
Sport Legislation
PDF طباعة
Book cover شريعة الرياضة
المجموعة: سلسلة الشرايع
Editor: الشيخ حسن رضا الغديري
Pages: 56
Price: £7.99
ISBN: 9781908286505
المكتبة: مكتبة الإمام الحسين الخاصة - لندن
Location name: بيت العلم للنابهين، بيروت - لبنان
السنة: 2012
Note: 195 x 135
Visits: 910
User rating:  / 4
PoorBest 
Review
الكاتب: مدير الموقع

متى تقتحم الریاضة السلکیة عالم المکاتب؟


   د. نضیر الخزرجی

 فیما مضى حار البعض فی معرفة الأسبقیة فی الوجود: البیضة أم الدجاجة؟ ودارت حولها التساؤلات السفسطیة التی أراد قائلوها وضع الناس فی دوامة الخلق والوجود، ولکن بالقطع لا یحیر الناس فی العلاقة الثنائیة بین العقل والجسم وإن حاول البعض السیر على المنهج السفسطائی نفسه لمعرفة القدم والأسبقیة هل هو للعقل أم للجسم؟ فالمشهور عن الفیلسوف الیونانی افلاطون (428- 348ق.م) قوله: (العقل السلیم فی الجسم السلیم) لکن البعض یرى العکس هو الصحیح حیث أن (الجسم السلیم فی العقل السلیم) باعتبار أن العقل مرکز التوجیه، فی حین یرى القائلون بالأول أن الجسم دلالة على الخلقة والفطرة فإن سلم، سلم العقل، بید أن الحدیث فی هذه المسلّمة والبدیهیة لیس من العقلانیة لأن المقولتین کما أرى على مستوى واحد من الأهمیة، فالجسم والعقل ینموان سویة، وهناک قوى ثالثة هی التی لها القدرة على ضبط إیقاع الجسم والعقل وهی الإرادة أو النفس وهی بمثابة الزر للجسم والعقل، ولهذا فإن الذی یفقد السیطرة على وزن جسده إنما بسبب إرادة النفس وقوتها وضعفها، وإذا تحکمت الإرادة وقوة النفس فی مسیرة الإنسان أمکن تطبیق المأثور من طرفیه، إلا إذا کان ضعف البدن أو سقمه بسبب الوراثة أو الخلقة الأولیة أو لعارض أو مرض.

  وحتى یصل المرء إلى مرحلة الجسم السلیم فلابد من ممارسة الریاضة ومقدماتها وبخاصة فی مجال تنظیم الطعام والحرکة والنوم والعمل وکل متطلبات الحیاة الیومیة، فالریاضة فی ذاتها مباحة وعنوانها العام الحلیة، بل تصبح فی بعض الموارد واجبة على الإنسان إذا حکم بها العقل وقال بها الطبیب المختص بخاصة إذا کان الدواء لا یلبی کل مراحل العلاج واحتاج معها المریض إلى العلاج الطبیعی من ریاضة بأنواعها حسب مقتضیات الجسم والوزن والعمر.

 على أن الریاضة بأنواعها قد یصاحبها المحرّم أو الکراهیة فتخرج من الإستحبابیة والحلیة إلى الکراهیة والحرمة ولا سیَّما إذا کانت مدعاة للأذى الجسدی أو الإعتداء على حقوق الآخر من إنسان أو حیوان إلا فی بعض الاستثناءات، وهذه المسائل التی یعیشها الإنسان من ذکر وأنثى فی حیاته الیومیة یناقشها الفقیه الشیخ محمد صادق الکرباسی فی کتیب "شریعة الریاضة" الصادر عام 1433هـ (2012م) فی 56 صفحة من القطع الصغیر عن بیت العلم للنابهین فی بیروت بتقدیم وتعلیق الفقیه الشیخ حس رضا الغدیری.

  

الریاضة السلیمة

 

من الثابت أن دستور کل بلد هو عبارة عن مواد، ولکل مادة تفریعاتها الکثیرة المتوزعة على مشارب الحیاة الیومیة، ولا یختلف الأمر فی التشریع الإسلامی وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق قوله: (إنما علینا أن نلقی إلیکم – علیکم- الأصول وعلیکم أن تفرِّعوا)، أو قول الإمام علی بن موسى الرضا علیه السلام: (علینا إلقاء الأصول إلیکم- علیکم- وعلیکم التفریع)، ولاشک أن الضمیر المخاطب فی النصین موجه إلى الفقهاء العلماء ویُلفظ منه مَن لا یدرک ألف باء التشریع لیفتی فی الناس فیحلل حراما ویحرِّم حلالا، والریاضة وتشعباتها من التفریعات، فلیس من جزئیة فی الحیاة الیومیة لیس لها صلة بالتشریع، بغض النظر عن نوعیة التشریع سماویاً کان أمْ أرضیاً، کمثل الشعیرات العصبیة المتوزعة على خلایا کل جسم الإنسان.

 

فالفقیه الکرباسی یرى أن الریاضة السلیمة جسمیة کانت أو فکریة ینبغی أن تتصف بالفائدة وخلوها من الضرر البالغ وعدم تقاطعها مع الحرمة أو مقرونة بالمحرمات، صحیح أن الإنسان مسلط على جسمه کما یشیر الفقیه الغدیری فی تعلیقه على هذه المسألة لکن أصل التسلط لا یدفع حرمة الإضرار، ویقتضی الأمر فی الوقت نفسه تطهیر الریاضات من المحرمات حتى وإن کان صاحبت منشأها حرمةٌ شرعیة کأن تکون وافدة على العالم الإسلامی وفیها حرمة شرعیة، فیجب على المسؤولین کما یُضیف الکرباسی: (تطهیرها مما یخالف الشرع المبین).

 

فالریاضة جائزة بالأصل إذا لم تکن من اللهو المحرّم الذی لا یرضی الله سبحانه وتعالى وحکم الشرع بحرمته، واللعب غیر اللهو: (أما اللهو الذی اصطُلح علیه الیوم ألا هو اللعب کما یُطلق على بعض أماکن الترفیه حدیقة الملاهی وما إلى ذلک فهو غیر مقصود عند الشرع)، أما إذا کانت الریاضة فیها محرّم أو توجب فساداً فی المجتمع، أو تلهی الإنسان عن ذکر الله سبحانه وتعالى فهی غیر جائزة، ویرفض الفقیه الکرباسی الریاضة المسیّسة: (کما فی لعبة کرة القدم والتی هی مباحة مثل سائر الأمور، أمَّا إذا جاءت لإلهاء الأمة عما یدور فی العالم من سیاسات على حساب الأمم أو ما کان منها لدعم الأنظمة الظالمة کما فی بعض دول الشرق، أو ما یولد منها الحقد والضغینة والصدام فهذا بالقطع یخرجها عن خانة الإباحة ویدخلها فی خانة الممنوعات لأنها خرجت من إطارها العام والذی هو ترویض الجسم وتقویمه)، ویذهب الکرباسی بعیداً إلى جواز صرف الحقوق الشرعیة على إقامة مدینة الملاهی والألعاب للأطفال وللمعاقین أو للعلاج أو للترفیه بشکل عام إن لم تؤمَّن من جهات أخرى، ویزید الغدیری على المسألة بالتأکید أنه: (لا یحتاج إلى إذن الحاکم الشرعی وإجازته بعد تشخیص المورد للصرف، عیناً کما فی سائر الموارد المباحة للصرف، لأنَّ تشخیص الموضوع لیس من واجبات المجتهد بل علیه بیان الحکم إلاّ إذا اقتضت المصلحة ودعت الضرورة إلى تدخل المجتهد وحکمه وذلک لحل الخلاف وحفظ کیان المسلمین والذین شاع فی عرف أتباع أهل البیت علیهم السلام لزوم إجازة المرجع لصرف الوجوه الشرعیة إذ لا شرعیة لها بالحکم الأوَّلی ولا حاجة إلیها من باب الإحتیاط – لو قلنا به- ولا دلیل یدل على ذلک الإحتیاط)، وهذه المسألة الشرعیة تذکرنا بالسرور الکبیر الذی أدخله على قلوب الشعب العراقی فوز فریقه لکرة القدم ببطولة کأس أمم آسیا للعام 2007م حیث وحّده وأخرجه من ظلال الغمامة السوداء التی طافت فی سماء العراق وحاولت إمطار العراقیین بحرب أهلیة طائفیة.

 

وللریاضة السلیمة جنبات عدة، ومن تلک إدخال الحبور على الناس وهو أمر محبب ومحبذ وتزداد أهمیته فی الملمات، وکما یشیر الکرباسی أنَّ: (إسعاد الناس وإخراجهم من حالة الکآبة أمر مستحسن بل مستحب من باب إدخال السرور فی قلب المؤمن إن خلا من المحرمات)، وأما الغدیری فإنه یزید على المسألة ویرى أنه: (قد یجب استخدام الأسالیب السلمیة لإخراج المسلمین من الکآبة کما لو عمّت الکآبة بعد هجوم أعداء الإسلام على بلادهم فیمن یقدر على عمل یوجب الإسعاد وإدخال السرور فی قلوب المؤمنین علیه أن یعرض نفسه بقصد القربة أو بأجر لإسعادهم وعندها یثاب فی کل الأحوال).

 

متى تجب الریاضة؟

 

وإذا کانت الریاضة بذاتها مباحة، فإنها قد تنتقل فی بعض المراحل إلى خانة الوجوب، کالمشی بالنسبة لمرضى السکر وارتفاع الدهون (الکولیسترول) وأصحاب السمنة العالیة، ویذهب الفقیه الکرباسی إلى أن: (الریاضة قد تکون علاجاً کما فی بعض التشنجات العضلیة فعندها یجب القیام بها إن کانت هناک ضرورة)، کما: (إن المصابین بالفلج یوصف لهم بعض الریاضات البدنیة للتخلص من الفلج، فهذا مما لا خلاف فی جوازه، بل إذا انحصر العلاج به، وجبتْ) بل وفی کل مرض وعلّة بدنیة أو نفسیة: (إذا کانت الریاضة هی العلاج الوحید لاستقامة الصحة، وجبت)، وبالطبع فإن تشخیص الضرورة تقع على عاتق الخبیر بالفن، فیجب الرجوع إلیه کما یقرر الفقیه الغدیری: (دفعاً لاحتمال الضرر إذا کان العمل للعلاج).

 

ولا یخفى أنَّ وجوب الریاضة لا یقع عند المرض فحسب، بل یصبح تعلم أنواع الریاضات حاجة ملحّة تقتضیها الظروف الموضوعیة وبدونها یضع المرء نفسه على حافة الخطر أو الموت وهذا نوع من الإلقاء فی التهلکة لا یرتضیه الإسلام ویرفضه العقل، ویستشهد المعلق بالسباحة واستخدام آلاتها، فالریاضة عنده : (قد تجب إذا توقف الدفاع علیها، وذلک فی ظروف خاصَّة کما إذا سکن على ساحل البحر ویخاف هجوم العدو ولا سبیل للنجاة إلا باستخدام آلات السباحة)، ومثل هذا الأمر ندرکه فی التدریبات العسکریة، فالجیش یضم أصنافاً من الجنود والسلاح، وبعض الأصناف یستوجب على الجنود تعلم أنواع من الریاضات لأهمیتها فی المعرکة وضرورتها کتعلم السباحة بالنسبة للقوات الخاصة والصاعقة وما یتعلق بالسباحة من إنقاذ الغریق وحمل السلاح والتنقل به فی عرض البحر والاسترخاء على سطح البحر عند التعب وأمثال ذلک.

 

 

 

مؤشرات ریاضیة

 

ومن المفید الإشارة إلى ریاضة "الیوغا" المنسوبة إلى الدیانة البوذیة التی انتشرت فی السنوات الأخیرة بخاصة فی النوادی الأوروبیة والأمیرکیة، فعلى خلاف بعض الفقهاء الذین یحرمون ریاضة الیوغا بوصفها عبادة بوذیة، یرى الفقیه الکرباسی أن: (ریاضة الیوغا إذا لم تقترن بعبادات بوذیة أو أذکارهم ولم تکن تشجیعاً لهم أو تعلیم الأطفال لعاداتهم بمعنى کانت صِرف ریاضة فلا إشکال فیها وإذا قورنت بشیء مما تقدم فهی حرام).

 وفی مجال آخر یتوافق رأی الکرباسی مع القوانین الدولیة التی تحظر استعمال بعض المنشطات فی الریاضات المختلفة وبخاصة فی ألعاب الساحة والمیدان، فیرى حرمة استخدام المنشِّطات فی العمل الریاضی بخاصة إذا کان هناک تسابق بین شخصین أو فریقین، ویعد هذا من التدلیس المحرّم.

 ولا تتوقف الحرم فی الریاضة على الإنسان، فهی تشمل الحیوان أیضا فلا یجوز القسوة على الحیوان إذا دخل جزءاً فی الریاضة من قبیل : (مصارعة الثیران وسائر المصارعات الحیوانیة إذا انتهت إلى إیذاء الحیوانات فهی محرمة والتعاطی معها بکل أشکال التعاطی محرّم)، وفی ألعاب السیرک التی هی فی مجملها إسعاد الحاضرین فلا یجوز الإیذاء المفرط للحیوان، فالحرمة بشکل عام تشمل الإنسان نفسه والإنسان الآخر والحیوان فهی أنفس وأرواح.

 فی الواقع أن الریاضة هی ضرورة حیاتیة ویومیة وبخاصة فی عصر المکاتب والجلوس الطویل وتطور الآلة وازدیاد مساحة استخدام العقل والفکر والتقنیة المتطورة، واستعمال وسائل المواصلات بخاصة للمدن الکبیرة، وهی تشمل البدن والفکر وبتعبیر الفقیه الغدیری الأعضاء السلکیة (البدنیة) والأعضاء اللاسلکیة (الفکریة)، ولذلک لا مناص من الریاضة لأنّ فیها سلامة الجسم وصفاء الذهن وتحریک أجهزة الإنسان بما یساعد على طرد الأمراض وکسب المناعة وتقویتها وزیادة فی العمر ولاسیما وأن السمنة تقرّب الأجل، ولیس من عاقل یطلب قرب الأجل بعلة الجسد وضعف البدن أو ترهله.

 

الرأی الآخر للدراسات- لندن

 

Date insert: الأربعاء, 22 شباط/فبراير 2012 15:54