الفصل الخامس: في التحقيق عن لقب هذه الأسرة الكريمة طباعة
آل الكرباسي - الباب الخامس: فيما يتعلق بأساتذة الإمام الكرباسي
الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2011 09:22

الفصل الخامس

في التحقيق عن لقب هذه الأسرة الكريمة

كما ذكرنا سابقاً أن المرحوم الحاج الشيخ محمد حسن، ولربما والده الحاج الشيخ محمد قاسم أيضا كانا في الأصل من أهالي حوض كرباس ومن سكان هرات، ولهذا لُقبوا بالكرباسي واشتهروا به.

أما قصة هذه التسمية وكيف وجدت، فلنستمع الى ما قيل أو يقال: يروى أن سيدة زاهدة من شيعة أهل تلك الديار كانت تحوك من الخيوط التي تمتلكها قطعاً من القماش تدعى «كرباس»(1) وهو قماش أبيض عادي ورخيص الثمن، فتمكنت السيدة من أن توفر مبلغا من حياكة القماش وبيعه، وصرف ريعه في بناء مستودع للماء أو حوض كبير، بحيث يكفي لإرواء وتأمين احتياجات المنطقة، وجعلت ذلك المستودع أو الحوض وقفا على شيعة تلك المنطقة، وبمرور الزمن أخذت المنطقة تنمو وتزدهر نتيجة ذلك الحوض، فاشتهرت المنطقة فيما بعد بـ «حوض كرباس». وبتعاقب الزمان أخذت الكلمة طريقها الى الاختصار، فحذفت كلمة حوض، وسمي أهالي تلك المنطقة فيما بعد بأهالي كرباس(2). وعلى هذا الأساس جاءت شهرة الحاج محمد حسن، وتبعه ابنه الإمام محمد ابراهيم بالكرباسي. وقد لقبوا أساتذة الإمام الكرباسي كالشيخ القمي في الاجازات التي منحوها له أو في المقدمات التي كتبوها على مصنفاته بالكرباسي، كما أن الإمام الكرباسي لقّب نفسه بذلك، على ما ينقل أحد أحفاده، أن صاحب البدر التمام رأى ذلك في إحدى الكتب بخط يد جده المرحوم الإمام الكرباسي، وكذلك في نهاية كتاب إشارات الأصول. وينعت صاحب كتاب روضات الجنات(3) ـ الذي يُعتبر أول مصدر تطرق الى سيرة الإمام الكرباسي وأحفاده ـ الإمام محمد ابراهيم بـ «الكرباسي» كما هو الحال في كتاب البدر التمام. أما تبديل «الراء» الى «اللام» وتغيير الكرباسي الى الكلباسي، فهذا شيء هراء، حسب ما يراه صاحب البدر التمام، بعد أن أشار الى تسمية لقب جده بـ «الكرباسي»(4). ويذكر مؤلف كتاب ريحانة الأدب أن قول الكلباسي لا صحة له، وإنما هو تحريف لكلمة الكرباسي(5).

وجاء أيضاً في لباب الألباب عن هذا الموضوع ما نصّـه: «والصحيح في ضبط اللقب الكرباسي بالراء، المهملة، وهو نسبة الى حوض كرباس»(6). أما في كتاب رجال بامداد، وبعد أن يشرح سبب تلقيب والد الإمام بالكرباسي، يقول: ولهذا سمي بالكرباسي. أما ما اشـتهر به فيما بعد بالكلباسي، فذلك غير صحيح(7).

والجدير بالذكر أن الفقيه الفاضل والمرجع الكبير والعالم الحاذق بالأنساب، نسّابة عصره السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، يرسل إليه أحد أفراد الأسرة الكرباسية من رجال الدين المعروفين رسالة يختتمها بالتوقيع بكلمة الكلباسي. والمرحوم العلامة المرعشي بدوره يجيبه على حاشية رسالته: آسف للاعتراض، فلقب «الكلباسي» غير صحيح، والصحيح هو «الكرباسي»، وحتى في مقدمته لهذا الكتاب أصرّ فضيلته على استعمال هذه الكلمة بصورتها الصحيحة (الكرباسي). والظاهر أن أول مصدر استعمل كلمة (الكلباسي) كلقب للإمام هو كتاب قصص العلماء للمرحوم التنكابني الذي ألفه سنة 1290هـ، أي بعد وفاة الإمام الكرباسي بما يقرب من ثلاثين سنة، فكلما ذكر اسم الإمام في كتابه هذا يلقّبه بـ «الكلباسي». والغريب أن المرحوم التنكابني نفسه في كتابه تذكرة العلماء الذي ألفه سنة 1270هـ، أي قبل تأليفه كتاب قصص العلماء بعشرين سنة، كان يقلب الإمام بـ «الكرباسي» كلما ذكر إسمه. وينقل المرحوم التنكابني في كتابه قصص العلماء، الأسئلة التي وجهها الحكيم الشيخ علي النوري الى العلامة الشيخ القمي والتي أجاب عليها المرحوم القمي برسالة مفصلة يوم الأحد الحادي عشر من شهر جماد الثاني سنة 1227هـ. ففي الجواب على السؤال الثـالث عشر جاء جواب العلامة القـمي على النحو التالي: أن اسم ولقـب الإمـام الكرباسي «وعالي جناب قدسي ألقاب زبـدة الفقهاء خير الحاج الكرام الأخ الأعز أرجمنـد حاجي محمد ابراهيم كلباسي»(8).

وبالرغم من أن أغلب الأساتذة والمعاصرين، وكذلك أبناء الإمام الكرباسي وتلامذته يلقبونه بـ «الكرباسي»، لكننا نرى أن الآخوند الشيخ علي النوري، والذي هو أحد أساتذة الإمام الكرباسي، والسيد حجة الإسلام الشفتي المعاصر له، يلقبونه في إحدى الرسائل(9) بـ «الكلباسي».

وبالاضافة الى ما ورد في كتاب روضات الجنات الذي يستهل سيرة الإمام الكرباسي بالعبارة التالية: «محمد ابراهيم ابن الحاج محمد حسن الخراساني الكاخي الكرباسي(10) «وهناك مصادر أخرى اطلقت لقب الكرباسي على الإمام، منها: تذكـرة القبور، مكارم الآثار، الفوائد الرضوية، البدر التمام، أعيان الشيعة، ريحانة الأدب، الكنى والألقاب، رجال إيران، ماضي النجف وحاضرها، سفينة البحار، وهدية الأحباب. أما المصادر التي لقبت الإمام الكرباسي بالكلباسي فهي عبارة عن: تاريخ إصفهان، الكرام البررة، معارف الرجال، دار السلام، وقصص العلماء. من اللازم بيانه أن كتاب روضات الجنات كان ولايزال مصدرا يثق به الكتّاب ويعتمد عليه المؤرخون لدى بيان سيرة العلماء في العالم الاسلامي.

وقد وردت في تبديل الراء باللام، أي من الكرباسي الى الكلباسي، آراء ووجوه متباينة، ومن ضمن تلك الآراء: أن بعض العلماء والأعيان يعتقدون بوجوب تمييز الكلمات العامية، فأبدلوا الراء باللام، فأصبح اللقب الكلباسي(11). وهناك من يرى أن عائلة واحدة من التجار اكتسبت هذا اللقب، وللتمييز بين العائلتين، اشتهرت أسرة الإمام بـ «الكلباسي»(12) أما مؤلف كتاب التذكرة العظيمية فيعزي السبب الى وجود تجار في إصفهان يتاجرون بقماش الكرباس وتلقبوا بالكرباسي بسبب حرفتهم، وللتمييز بين أسرتهم وبين أسرة الإمام الكرباسي، قام بعض الأفراد من هذه الأسرة بتبديل الراء الى اللام، واتخذوا من الكلباسي لقباً لاسرة الإمام الكرباسي. وللمؤرخ المحقق العلامة المعلم الحبيب آبادي رأي آخر، إذ يقول بامكانية استعمال الكلمتين «الكرباسي» و«الكلباسي»، حيث تكتب بالراء لمن ليست له مكانة علمية ولم يحظ بمقدار واف من المعرفة، أما إذا كان ذا منزلة علمية وقدرة فكرية في المعارف فيكتب اللقب باللام(13) وهناك ثمة رأي آخر يقول: إن تبديل الراء باللام يحدث أحيانا في اللغة الفارسية مثل كلمة سوراخ وسولاخ(14) بمعنى الثـقب.

ومهما يكن من أمر، فان هناك عوائل من التجار في الوقت الحاضر يسكنون إصفهان، اشتهروا بالكرباسي أو كرباسي زاده إصفهاني، وللتمييز، تعرف اليوم أسرة الحاج محمد ابراهيم بـ «الكلباسي»، بينما استخدمت هذه الأسرة لقب الكرباسي لنفسها، في الدول العربية. وقد استعـملت الكلمتان في هذا الكتاب، تارة «الكرباسي» لقب الإمام محمد ابراهيم، والذي هو الصحيح، ومرة أخرى لقب الكلباسي، وذلك استنادا الى المصادر التي اعتمدنا عليها(15).

الجدير بالذكر أن هناك أفراداً قبل الامام محمد ابراهيم ووالده الشيخ محمد حسن منذ عهد بعيد لقبوا بالكرباسي، ومن بين هؤلاء: أبو الفضل محمد بن صالح الكرابيسي، وأبو علي حسين الكرابيسي، وأبـو المظفر الكرابيسي(16)، وهؤلاء من الفقهاء والمحدثين من أهل السنّة، كما أن أحد أصحاب الامام الصادق(ع) كانت شهرته الكرابيسي أيضاً. والكرابيسي تعني اللباس الخشن، ومفرده الكرباس (بكسر الكاف)، وهي كلمة فارسية معرّبة. أما العلماء والفقهاء الذين لقبوا واشتهروا بالكرباسي هم: المولى محمد جعفر الخراساني الطوسي الكرباسي المتوفى سنة 1175هـ، وهو من أساتذة المولى إسماعيل الخاجوئي، والآخوند الشيخ محمد صادق الكرباسي الإصفهاني الهمداني ومن المجازين من قبل العلامة المجلسي الأول، والمتوفى بعد عام 1060هـ، وقد دفن في مقبرة تخت فولاد. وهناك فقيه آخر اشتهر أيضاً بالكرباسي في زمان السلطان حسين الصفوي، حيث ذكر صاحب الجواهر بعضاً من آرائه الفقهية، وقد أشرنا إليه في الفصل الأول من المقصـد الأول من الباب الثالث من هذا الكتاب، وذلك عند تناولنا سيرة الشيخ محمد حسن(17) وفي أوائل القرن الثاني عشر، وقبل مجيء الحاج محمد حسن الكرباسي الى مدينة إصفهان لسنوات عديدة، كانت هناك أسرة في إصفهان تلقب بالكلباسي، وبالتحديد كان هناك شخص يدعى الميرزا محمد رضا الكلباسي، الذي كان حياً عام 1104هـ(18).


(1) الكرباس: الثوب الخشن، ويجمع على كرابيس، وهي فارسية دخيلة، كذا في المعاجم العربية، وفي المعاجم الفارسية، معرّب كرباس، بالباء المثـلـثة، وهو قماش قطني أبيض اللون، زهيد الثمن.

(2) روضات الجنات 1/85 (شرح المحقق الروضاتي)، تذكرة القبور: 89، دانشمندان وبزرگان إصفهان: 66، ريحانة الأدب: 5/44، البدر التمام: 8، الفوائد الرضوية: 10، التذكرة العظيمة: 36، حاجي كرباسي وأولادش: 8، لباب الألباب: 134، أعيان الشيعة: 2/206.

(3) روضات الجنات: 1/83.

(4) البدر التمام: 8.

(5) ريحانة الأدب: 5/44.

(6) لباب الألباب: 134.

(7) رجال ايران: 5/216.

(8) قصص العلماء: 1/164، روضات الجنات: 5/359.

(9) مكارم الآثار: 5/1646، يادادشتهاي محقق روضاتي.

(10) شرح روضات الجنات: 1/83.

(11) حاجي كرباسي وأولادش: 26 ـ 27.

(12) دانشمندان وبزرگان إصفهان: 46.

(13) وهذا التحليل ضعيف يخالف الاستخدامات التي صدرت من الأعلام.

(14) مقدمه أستاذ مهدوي بر كتاب حقوق زن وميراث: 20.

(15) لقد وحّدنا استخدام اللقب في هذا الكتاب واعتمدنا على الراء بدلا من اللام لما قد وجدناه هو الأصل والصحيح في ذلك.

(16) لقد ورد في كتاب مقتل الحسين للخوارزمي: 1/14 و 44 و 65 و 2/87 أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي الخوارزمي، مما نحتمل أنه تصحيف للكرابيسي ـ نجل المؤلف.

(17) وقد سبق وذكرنا أنهم من هذه الأسرة الكريمة.

(18) ونضيف أن في أفغانستان وبالذات في هرات شريحة تلقب بالكرباسي، وتنتسب الى هذه الأسرة.