الفصل السادس: في تاريخ مسجد الحكيم طباعة
تقييم المستخدم: / 0
ضعيفجيد 
آل الكرباسي - الباب الخامس: فيما يتعلق بأساتذة الإمام الكرباسي
الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2011 09:29

 

 الفصل السادس

في تاريخ مسجد الحكيم

لقد ورد ذكر مسجد الحكيم على صفحات هذا الكتاب في مواضع متعددة، ولكن ومنذ أن دخل المرحوم الإمام الكرباسي هذا المسجد التاريخي الكبير واتخذه منطلقا له، تغير وضع المسجد كلياً وأصبحت له شهرة أكثر، وذاع صيته بين العامة والخاصة، فكان مقره لتدريس وتربية الطلبة بالاضافة الى إقامة صلاة الجماعة والوعظ والارشاد، كما اختار بقعة أمام البوابة الشرقية للمسجد لتكون مقبرة له، وبالفعل فقد ضمت هذه البقعة المباركة رفاته ورفات أبنائه وأحفاده، وأصبحت مزاراً
يؤمها المؤمنون، ولعل أحد أسباب اختيار الإمام الكرباسي لهذا المسجد ليكون مقراً له، يرجع الى أستاذه ومربيه العلامة الشيخ محمد البيدآبادي الذي كان هو الآخر اتخذ هذا المسجد مكانا للتدريس والوعظ والارشاد، عندما كان الإمام الكرباسي تلميذاً عنده. وهنا يجدر بنا أن نلقي نظرة
Hakim-Mosque-Esfehan01فاحصة على تاريخ هذا المسجد ومكانته الرفيعة في مدينة إصفهان.

لقد تم بناء مسجد الحكيم على أنقاض مسجد قديم وذلك أيام السلطان عباس الثاني الصفوي وبالتحديد سنة 1067هـ، بواسطة الحكيم داود الهندي الملقب بـ «تقرّب خان». ومن الناحية المعمارية يمكن القول بأن الزخارف الملونة والكتابات على الجدران أكسبته رونقاً، وجعلته من المساجد المشهورة والمعروفة في إصفهان.

ويستدل من التاريخ أن البقعة التي بُني عليها المسجد سابقاً كانت عبارة عن مسجد أسس بأمر من العالم الشيعي الكبير الصاحب بن عباد الوزير الديلمي، وكانت له مئذنة، لكنها تهدمت فيما بعد، وبُني مكانه مسجد الحكيم الحالي في الفترة الصفوية(1)، ومن أقدم المصادر التي تحدثت بهذا الخصوص هو كتاب محاسن إصفهان للمافروخي، وتحدث فيه عن هذا المسـجد قائلا: بُني المسجد الجامع والمعروف بـ «جورجير» بأمر من الصاحب بن عباد، وله أروقة متعددة وأماكن للمتصوفة ومكتبات ومدارس للفقهاء ومجالس للادباء وأماكن للشعراء والصوفية وقرّاء القرآن، ويقال أن هذا المسجد والمعروف بالمسجد الصغير كان يفضّل على المسجد الجامع الكبير»(2).

لقد أنشأ المبنى الماثل الى يومنا هذا المسجد الحالي هذا في عصر السلطان عباس الثاني الصفوي على أنقاض المسجد القديم ـ الذي كان قد تبدل الى مقبرة لدفن الموتى ـ وذلك بمسعى الحكيم داود(3)، رئيس أطباء السلطان الصفوي الأول والمستشار الطبي للسلطان عباس الثـاني.

وعليه فان مسجـد حكيم القائم اليوم حلّ محل المسجد الجامع الصغير، حيث يمكن اليوم مشاهدة القسم الأعلى لبوابة المسجد القـديم الذي لازال قائماً، وبجانب هذا المسجد، يوجد مسجد صغير يدعى «جوجي» وهو في الأصل «جوجير أو جؤجؤ(4)، ويعود تاريخه الى القرن الرابع الهجري على عهد البويهيين، حيث لاتزال النقوش الجميلة والكتابات الرائعة موجودة فوق البوابة، والتي كتبت ابان حكم السلطان عباس الصفوي الأول، وهي بخط جوهري، وتاريخها سنة 1108هـ، وكذلك يمكن معرفة قدم هذا المكان من الأعمدة الضخمة القائم عليها بناء المسجد، وكذلك الأروقة والجدران المحيطة بمسجد الحكيم(5).

ويذكر مؤلف كتاب تاريخ إصفهان في حديثه عن مسجد الحكيم بقوله: ومن المساجد الكبيرة في العهد الصفوي، مسجد الحكيم داود الاصبهاني المعروف بالهندي. وهو مسجد يتسم بالصفاء والروحانية، وهو واسع، إذ تقدر مساحة أرضه بسبعة آلاف ذراع، تضم المسجد وملحقاته،Hakim-Mosque-Esfehan02 وقد بناه الحكيم داود والملقب بـ «تـقرب خان» الى جنب مسجد جؤجؤ، من المال الذي حصل عليه من سلطان الهند، كعطاءٍ وهدايا، وكان ـ كما يقال ـ حريصاً على راحة العمال وارضائهم. بدأ العمل ببناء المسجد في عهد السلطان عباس الثاني، وانتهت التزيينات الجدارية والكتابات في عهد السلطان سليمان، وقد كتبت فوق إحدى البوابات هذه العبارة: «مقام كعبه ديگر شد أز داود إصفهانان» وهي تعني تاريخ إنجاز العمل في مسجد الحكيم. توجد في الزاوية الشمالية الغربية من المسجد مقبرة السادات، وخلف المسجد قبر المرحوم الشيخ محمد جعفر نجل المرحوم آية الله المولى محمد باقر السبزواري، وأمام البوابة الشرقية للمسجد مقبرة آية الله المرحوم الحاج محمد ابراهيم الكرباسي، الذي عمّ وشاع علمه وزهده العالم أجمع، بالاضافة الى قبر المرحوم الحاج محمد مهدي الكرباسي، وآخرين من أحفاد ذلك العالم الزاهد الفرد(6).


(1) تاريخچه أبنية تاريخي إصفهان: 180 ـ 181.

(2) ترجمة محاسن إصفهان: 63.

(3) الحكيم محمد داود: كان يلقب بتقرب خان الهندي الإصفهاني، وقد توفي سنة 1216هـ.

(4) الظاهر أن الجؤجؤ يقال للسفينة.

(5) تاريخچه أبنية تاريخي إصفهان: 182، فهرست بناهاي تاريخي وأماكن باستاني ايران: 363.

(6) تاريخ إصفهان: 129 ـ 130.